فصل: فصل في معنى المحبة للنبى صلى الله عليه وسلم وحقيقتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله يعطي الدنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، فالمؤمنون متزايدون في الحبّ للّه عزّ وجلّ عن تزايدهم في المعرفة به والمشاهدة له، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبّ للّه من شرط الإيمان قال: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وفي حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وفي خبر آخر أشدّ توكيدًا وأبلغ من هذين قوله: والله، لا يؤمن العبد حتى أكون أحبّ إليه من أهله وماله والناس أجمعين، وفي خبر آخر: ومن نفسك، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالمحبة للّه فيما شرعه من الأحكام فقال أحبّوا الله لما أسدى إليكم من نعمه، وأحبّوني لحبّ الله، فدلّ ذلك على فرض الحبّ للّه وإنّ تفاضل المؤمنون في نهايات فضائله، ومن أفضل ما أسدى إلينا من نعمه المعرفة به، فأفضل الحبّ له ما كان عن المشاهدة، والمحبون للّه على مراتب من المحبة؛ بعضها أعلى من بعض، فأشدهم حبًّا للّه أحسنهم تخلقًا بأخلاقه مثل العلم والحلم والعفو وحسن الخلق، والستر على الخلق، وأعرفهم بمعاني صفاته وأتركهم منازعة له في معاني الصفات كي لا يشركوه فيها، مثل الكبر والحمد وحب المدح وحب الغنى والعز وطلب الذكر، ثم أشدهم حبًّا لرسوله إذ كان حبيب الحبيب وأتبعهم لآثاره أشبعهم هديًا لشمائله، وقد روي أنّ رجلًا قال: يا رسول الله إني أحبك فقال: استعد للفقر فقال: إني أحبّ الله فقال: استعد للبلاء، والفرق بينهما أن البلاء من أخلاق المبلي وهو الله تعالى المبتلي، فلما ذكر محبته أخبره بالبلاء ليصبر على أخلاقه، كما قال تعالى: {ولِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} المدثر: 7 فدل على أحكامه وبلائه، والفقر من أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذكر محبته دله على اتباع أوصافه ليقتفي آثاره.
ومن علامة المحبة كثرة ذكر الحبيب، وهو دليل محبة المولى لعبده وهو من أفضل مننه على خلقه، وفي الخبر أنّ للّه في كل يوم صدقة يمنّ بها على خلقه، وما تصدق على عبد بصدقة أفضل من أن يلهمه ذكره.
وفي حديث سفيان عن مالك بن معول قيل: يارسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: اجتناب المحارم، ولا يزال فوك رطبًا من ذكر الله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الذكر للّه كما أمر بمحبة الله، لأن الذكر مقتضى المحبة فقال: أكثر من ذكر الله حتى يقول الناس أنك مجنون، وقد روينا: أكثروا من ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون، وفي حديث أبي سلمة المدني عن أبيه عن جده: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى مسجد قباء، فذكر حديثًا فيه طول قال في آخر: من تواضع للّه رفعه ومن تكبر وضعه، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله، وقد أخبر أنّ الذاكرين هم السابقون المفردون، ورفعهم إلى مقام النبوّة في وضع الوزر، ورفع الذكر إن كان الذكر موجب الحبّ في قوله: سيروا سبق المفردون، قيل: مَنْ المفردون؟ قال: المستهترون بذكر الله، وضع الذكر عنهم أوزارهم يردون القيامة خفافًا، ومن أعلام المحبة: حبّ لقاء الحبيب على العيان، والكشف في دار السلام ومحل القرب وهو الاشتياق إلى الموت، لأنه مفتاح اللقاء وباب الدخول إلى المعاينة، وفي الحديث: من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، وقال حذيفة عند الموت: حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، وقال بعض السلف ما من خصلة أحبّ إلى الله تكون فيّ لعبد بعد حبّ لقائه من كثرة السجود، فقدم حبّ لقاء الله وقد شرط الله لحقيقة الصدق القتل في سبيله، وأخبر أنه يحب قتل محبوبه في قوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذينَ يُقَاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفًّا كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} الصف: 4، بعد قوله تقريرًا لهم: لِمَ تقولون ما لا تفعلون؟ حيث قالوا: إنّا نحبّ الله، فجعل القتل محنة محبته وعلامة أخذ مال محبوبه ونفسه، إذ يقول تعالى: {يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} التوبة: 111، وفي وصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما: الحق ثقيل وهو مع ثقله مريء، والباطل خفيف وهو مع خفته وبيء؛ فإن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحبّ إليك من الموت وهو مدرك، وإن ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت ولن تعجزه، وكان الثوري وبشر بن الحرث يقولان: لا يكره الموت إلا مريب، وهو كما قالا: لأن الحبيب على كل حال لا يكره لقاء الحبيب، وهذا لا يجده إلا عبد يحبّ الله بكل قلبه، عندها يشتاق إليه مولاه فينزعج القلب لشوق الغيب، فيحبّ لقاءه، وروي أنّ أبا حذيفة بن عتبة بن زمعة لما تبنى سالمًا مولاه، عاتبته قريش في ذلك وقالوا: أنكحت عقيلة من عقائل قريش بمولى فقال: والله، لقد أنكحته إياها وأني لأعلم أنه خير منها، فكان قوله أشد عليهم قالوا: وكيف؟ وهي أختك وهو مولاك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن ينظر إلى رجل يحب الله بكل قلبه فلينظر إلى سالم، فمن الدليل أنّ من المؤمنين من يحبّ الله ببعض قلبه فيؤثره بعض الإيثار، ويوجد فيه محبة الاعتبار، ومنهم من يحبه بكل قلبه فيؤثره على ما سواه، فهذا عابده ومألوهه الذي لا معبود له ولا إله إياه، وفيه دليل على أنهم على مقامات المحبة عن معاني مشاهدات الصفات ما بين البعض في القلوب والكلية، وقد كان نعيمان يؤتي به رسوله الله صلى الله عليه وسلم فيجده في معصية يرتكبها إلى أن أتى به يومًا فحده فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفتعل فإنّه يحب الله ورسوله، فلم يخرجه من المحبة مع المخالفة. اهـ.

.لطيفة: [في محبة الله تعالى]:

سئل الحارث المحاسبى رحمه الله:
ما علامة محبة الله للعبد؟ فقال للسائل: ما الذي كشف لك عن طلب علم هذا؟ فقال: قوله تعالى: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. [آل عمران 31]. فعلمت أن علامة محبة الله اتباع رسوله.
ثم قال: {يحببكم الله}. فما علامة محبة الله للعبد؟ فقال: لقد سألت عن شيء غاب عن أكثر القلوب، إن علامة محبة الله للعبد أن يتولى الله سياسة همومه فيكون في جميع أموره هو المختار لها، ففي الهموم التي لا تعترض عليها حوادث القواطع، ولا تشير إلى التوقف لأن الله هو المتولي لها، فأخلاقه على السماحة، وجوارحه على الموافقة، يصرخ به ويحثه بالتهدد والزجر، فقال السائل: وما الدليل على ذلك؟ فقال: خبر النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله عبدًا جعل له واعظًا من نفسه وزاجرًا من قلبه، يأمره وينهاه»، فقال السائل: زدني من علامة محبة الله للعبد. قال: ليس شيء أحب إلى الله من أداء الفرائض بما دعة من القلب والجوارح، والمحافظة عليها، ثم بعد ذلك كثرة النوافل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته» فقال السائل: رحمك الله، صف لي من علامات وجود قلبه. قال: محبوسة يا فتى في سر الملاطفة، مخصوصة بعلم المكاشفة، مقلبة بتنعم النظر في مشاهدة الغيب، وحجاب العز، ورفعة المنعة، فهي القلوب التي أسرت أوهامها بعجب نفاذ اتقان الصنع، فعندها تصاعدت المنى، وتواترت على جوارحها فوائد الغنى، فانقطعت النفوس عن كل ميل إلى راحة، وانزعجت الهموم وفرت من الرفاهة، فنعمت بسرائر الهداية وعلمت طرق الولاية، وغذيت من لطيف الكفاية وأرسلت في روضة البصيرة، وأحلت القلوب محلًا نظرت فيه بلا عيان، وجالت بلا مشاهدة، وخوطبت بلا مشافهة. فهذا يا فتى صفة أهل محبة الله من أهل المراقبة والحياء والرضا والتوكل. فهم الأبرار من العمال، وهم الزهاد من العلماء، وهم الحكماء من النجباء، وهم المسارعون من الأبرار، وهم دعاة الليل والنهار، وهم أصحاب صفاء التذكار وأصحاب الفكر والاعتبار، وأصحاب المحن والاختبار. هم قوم أسعدهم الله بطاعته وحفظهم برعايته، وتولاهم بسياسته، فلم تشتد لهم همة، ولم تسقط لهم إرادة. همومهم في الجد والطلب، وأرواحهم في النجاة والهرب، يستقلون الكثير من أعمالهم، ويستكثرون القليل من نعم الله عليهم، إن أنعم عليهم شكروا، وإن منعوا صبروا، يكاد يهيج منهم صراخ إلى مواطن الخلوات، ومعابر العبر والآيات، فالحسرات في قلوبهم تتردد، وخوف الفراق في قلوبهم يتوقد، نعم يا فتى، هؤلاء قوم أذاقهم الله طعم محبته، ونعمهم بدوام العذوبة في مناجاته، فقطعهم ذلك عن الشهوات، وجانبوا اللذات، وداموا في خدمة من له الأرض والسموات، فقد اعتقدوا الرضا قبل وقوع البلا، ومنقطعين عن إشارة النفوس، منكرين للجهل المأسوس، طاب عيشهم ودام نعيمهم، فعيشهم سليم، وغناهم في قلوبهم مقيم، كأنهم نظروا بأبصار القلوب إلى حجب الغيوب، فقطعوا وكان الله المنى والمطلوب، دعاهم إليه فأجابوه بالحث والجد ودوام السير، فلم تقم لهم أشغال إذ استبقوا دعوة الجبار، فعندها يا فتى غابت عن قلوبهم أسباب الفتنة بدواهيها، وظهرت أسباب المعرفة بما فيها، فصار مطيتهم إليه الرغبة، وسائقهم الرهبة، وحاديهم الشوق، حتى أدخلهم في رق عبوديته، فليس تلحقهم فترة في نية، ولا وهن في عزم، ولا ضعف في حزم، ولا تأويل في رخصة، ولا ميل إلى دواعي غرة. قال السائل: أرى هذا مرادًا بالمحبة. قال: نعم يا فتى، هذه صفة المرادين بالمحبة. فقال: كيف المحن على هؤلاء؟ فقال: سهلة في علمها، صعبة في اختبارها، فمنحهم على قدر قوة إيمانهم. قال: فمن أشدهم محنًا؟ قال: أكثرهم معرفة وأقواهم يقينًا وأكملهم إيمانًا. كما جاء في الخبر: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل». اهـ.

.فصل في معنى المحبة للنبى صلى الله عليه وسلم وحقيقتها:

قال القاضى عياض رحمه الله:
اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم في ذلك وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ولكنها اختلاف أحوال فقال سفيان المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه التفت إلى قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} الآية، وقال بعضهم محبة الرسول اعتقاد نصرته والذب عن سنته والانقياد لها وهيبة مخالفته، وقال بعضهم المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال آخر: إيثار المحبوب، وقال بعضهم المحبة الشوق إلى المحبوب، وقال بعضهم المحبة مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب ويكره ما كره، وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة الذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واخترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة.
أما جمال الصورة والظاهر وكمال الأخلاق والباطن فقد قررنا منها قبل فيما مر من الكتاب مالا يحتاج إلى زيادة.
وأما إحسانه وإنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم ورحمته لهم وهدايته إياهم وشفقته عليهم واستنقاذهم به من النار وأنه بالمؤمنين رؤف رحيم ورحمة للعالمين ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم، فأى إحسان أجل قدرا وأعظم خطرا من إحسانه إلى جميع المؤمنين، وأى إفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين؟ إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ومنقذهم من العماية وداعيهم إلى الفلاح والكرامة ووسيلتهم إلى ربهم وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم السرمد فقد استبان لك أنه صلى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقة شرعا بما قدمناه من صحيح الآثار وعادة وجبلة بما ذكرناه آنفا لإفاضته الإحسان وعمومه الإجمال، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذى بها قليل منقطع فمن منحه ما لا يبيد من النعيم ووقاه ما لا يفى من عذاب الجحيم أولى بالحب، وإذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته أو حاكم لما يؤثر من قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب وأولى بالميل، وقد قال على رضى الله عنه في صفته صلى الله عليه وسلم من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه وذكرنا عن بعض الصحابة أنه كأن لا يصرف بصره عنه محبة فيه. اهـ.

.من فوائد البيضاوي:

قال رحمه الله:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني} المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه، بحيث يحملها على ما يقربها إليه، والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله، وأن كل ما يراه كمالًا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه، فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول في عبادته والحرص على مطاوعته.
{يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} جواب للأمر أي يرضَ عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم في جوار قدسه، عبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة أو المقابلة.
{والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تحبب إليه بطاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعونى} ذهب عامة المتكلمين إلى أن المحبة نوع من الإرادة وهي لا تتعلق حقيقة إلا بالمعاني والمنافع فيستحيل تعلقها بذاته تعالى وصفاته فهي هنا بمعنى إرادة العبد اختصاصه تعالى بالعبادة وذلك إما من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم أو من باب الاستعارة التبعية بأن شبه إرادة العبد ذلك ورغبته فيه بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلًا لا يلتفت معه إلا إليه أو من باب مجاز النقص أي إن كنتم تحبون طاعة الله تعالى أو ثوابه فاتبعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه كذا قيل، وهو خلاف مذهب العارفين من أهل السنة والجماعة فإنهم قالوا: المحبة تتعلق حقيقة بذات الله تعالى وينبغي للكامل أن يحب الله سبحانه لذاته وأما محبة ثوابه فدرجة نازلة، قال الغزالي عليه الرحمة في الإحياء: الحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء الملذ فإن تأكد ذلك الميل وقوي يسمى عشقًا، والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب فإذا قوي سمي مقتًا، ولا يظن أن الحب مقصور على مدركات الحواس الخمس حتى يقال: أنه سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل بالخيال فلا يحب لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الصلاة قرة عين وجعلها أبلغ المحبوبات، ومعلوم أنه ليس للحواس الخمس فيها حظ بل حس سادس مظنته القلب والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر والقلب أشد إدراكًا من العين وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى، ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما في إدراكه لذة فلا ينكر إذًا حب الله تعالى إلا من قعد به القصور في درج البهائم فلم يجز إدراكه الحواس أصلًا، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الوراق:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ** هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقًا لأطعته ** إن المحب لمن يحب مطيع